سورة النحل - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


قوله تعالى: {أتى أمر الله} قرأ حمزة، والكسائي بالإِمالة.
سبب نزولها: أنه لما نزل قوله تعالى: {اقتربت الساعة} [القمر: 1]، فقال الكفار بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أنَّ القيامة قد اقتربت، فأمْسِكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر، فلما رأوا أنَّه لا ينزل شيء؛ قالوا: ما نرى شيئاً! فأنزل الله تعالى {اقترب للناس حسابهم} [الأنبياء: 1] فأشفقوا، وانتظروا قرب الساعة، فلما امتدَّت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوِّفنا به. فأنزل الله تعالى: {أتى أمر الله}، فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفع الناسُ رؤوسهم، فنزل: {فلا تستعجلوه} فاطمأنوا، قاله ابن عباس.
وفي قوله: {أتى} ثلاثة أقوال:
أحدها: أتى بمعنى: يأتي، كما يقال: أتاك الخير فأبشر، أي: سيأتيك، قاله ابن قتيبة، وشاهدُه: {ونادى أصحاب الجنة} [الأعراف 44]، {وإِذ قال الله يا عيسى} [المائدة 116] ونحو ذلك.
والثاني: أتى بمعنى: قَرُب، قال الزجاج: أعلم الله تعالى أن ذلك في قربه بمنزلة ما قد أتى.
والثالث: أن {أتى} للماضي، والمعنى: أتى بعض عذاب الله، وهو: الجدب الذي نزل بهم، والجوع. {فلا تستعجلوه} فينزل بكم مستقبلاً كما نزل ماضياً، قاله ابن الأنباري.
وفي المراد ب {أمر الله} خمسة أقوال:
أحدها: أنها الساعة، وقد يخرج على قول ابن عباس الذي قدمناه، وبه قال ابن قتيبة. والثاني: خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الضحاك عن ابن عباس، يعني: أن خروجه من أمارات الساعة.
وقال ابن الأنباري: أتى أمر الله من أشراط الساعة، فلا تستعجلوا قيام الساعة. والثالث: أنه الأحكام والفرائض، قاله الضحاك. والرابع: عذاب الله، ذكره ابن الأنباري. والخامس: وعيد المشركين، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {فلا تستعجلوه} أي: لا تطلبوه قبل حينه، {سبحانه} أي: تنزيه له وبراءة من السوء عما يشركون به من الأصنام.
قوله تعالى: {ينزل الملائكة} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {يُنْزِل} بإسكان النون وتخفيف الزاي. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {ينزِّل} بالتشديد، وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: {تُنزَّل} بالتاء مضمومة، وفتح الزاي مشددة. {الملائكةُ} رفع. قال ابن عباس: يريد بالملائكة جبريل عليه السلام وحده.
وفي المراد بالروح ستة أقوال.
أحدها: الوحي، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنه النبوَّة، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: أن المعنى: تنزل الملائكة بأمره، رواه العوفي عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المعنى: أن أمر الله كلَّه روح. قال الزجاج: الروح ما كان فيه من أمر الله حياة النفوس بالإِرشاد.
والرابع: أنه الرحمة. قاله الحسن، وقتادة.
والخامس: أن أرواح الخلق: لا ينزل ملك إِلا ومعه روح، قاله مجاهد.
والسادس: أنه القرآن، قاله ابن زيد. فعلى هذا سماه روحاً، لأن الدين يحيا به، كما أن الروح تُحيي البدن. وقال بعضهم: الباء في قوله: {بالروح} بمعنى: مع، فالتقدير: مع الروح، {من أمره} أي: بأمره {على من يشاء من عباده} يعني: الأنبياء، {أن أنذروا} قال الزجاج: والمعنى: أَنذِروا أهل الكفر والمعاصي {أنه لا إِله إِلا أنا} أي: مُروهم بتوحيدي، وقال غيره: أًنذروا بأنه لا إِله إِلا أنا، أي: مروهم بالتوحيد مع تخويفهم إِن لم يُقِرُّوا.


قوله تعالى: {خلق الإِنسان من نطفة} قال المفسرون: أخذ أبيُّ بن خلف عظماً رميماً، فجعل يفتُّه ويقول: يامحمد كيف يبعت الله هذا بعدما رُمّ؟
فنزلت فيه هذه الآية والخصيم: المخاصم، والمبين: الظاهر الخصومه.
والمعنى: أنه مخلوق من نطفة، وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث، أفلا يستدل بأولة على آخرة، وأن من قدر على إِيجاده أولاً، يقدر على إِعادتة ثانيا؟! وفية تنبية على إِنعام الله عليه حين نقله من حال ضعف النطفة إِلى القوة التي أمكنة معها الخصام.


قوله تعالى: {والأنعام خلقها لكم} الأنعام: الإِبل، والبقر، والغنم.
قوله تعالى: {لكم فيها دفءٌ} فيه قولان:
أحدهما: أنه ما استدفئ به من أوبارها تتخذ ثياباً، وأخبية، وغير ذلك. روى العوفي عن ابن عباس أنه قال: يعني بالدفء: اللباس، وإِلى هذا المعنى ذهب الأكثرون.
والثاني: أنه نسلها. روى عكرمة عن ابن عباس: {فيها دفءٌ} قال: الدفء: نسل كل دابة، وذكر ابن السائب قال: يقال: الدفءُ أولادها، ومن لا يحمل من الصغار، وحكى ابن فارس اللغويّ عن الأمويّ، قال: الدفء عند العرب: نتاج الإِبل وألبانها.
قوله تعالى: {ومنافع} أي: سوى الدفء من الجلود، والألبان، والنسل، والركوب، والعمل عليها، إِلى غير ذلك، {ومنها تأكلون} يعني: من لحوم الأنعام.
قوله تعالى: {ولكم فيها جَمال} أي: زينة، {حين تُريحون} أي: حين تردُّونها إِلى مراحها، وهو المكان الذي تأوي إِليه، فترجع عِظَامَ الضُّرُوعِ والأَسْنِمَة، فيقال: هذا مال فلان، {وحين تسرحون}: ترسلونها بالغداة إِلى مراعيها.
فإن قيل: لم قدَّم الرَّواح وهو مؤخَّر؟
فالجواب: أنها في حال الرواح تكون أجمل؛ لأنها قد رعت، وامتلأت ضروعها، وامتدّت أسنمتها.
قوله تعالى: {وتحمل أثقالكم} الإِشارة بهذا إِلى ما يطيق الحمل منها، والأثقال: جمع ثقل، وهو متاع المسافر.
وفي قوله تعالى: {إِلى بلد} قولان:
أحدهما: أنه عامّ في كل بلد يقصِدُه المسافر، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أن المراد به: مكة، قاله عكرمة، والأول أصح، والمعنى: أنها تحملكم إِلى كل بلد لو تكلفتم أنتم بلوغه لم تبلغوه إِلا بشِق الأنفس.
وفي معنى {شِق الأنفس} قولان:
أحدهما: أنه المشقة، قاله الأكثرون. قال ابن قتيبة: يقال: نحن بشِق من العيش، أي: بجهد؛ وفي حديث أم زرع: «وجدني في أهل غُنَيْمَةٍ بِشِقّ».
والثاني: أن الشِّق: النِّصف، فكان الجهد ينقص من قوة الرجل ونفسه كأنه قد ذهب نصفه، ذكره الفراء.
قوله تعالى: {إِن ربكم لرؤوف رحيم} أي: حين مَنّ عليكم بالنعم التي فيها هذه المرافق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8